في حوار مع الأستاذ الدكتور رحمن غركان ، لمناسبة فوزه بجائزة الإبداع في النقد الأدبي .
* الولادة الحقيقية للمرء هي الانجاز الإبداعي الصالح للمحبة الإنسانية .
* قصيدة النثر جنس إبداعي مائز الخصوصية وليست تطويرا في الشعر
* القصيدة التفاعلية أو الرقمية شكل في الأداء الشعري وليس تجديدا في
فن الشعر .
تميز العراق عن باقي الأمم منذ الأزل بامتلاكه الخيرات والثروات والعقول التي أسهمت في بناء الحضارة الإنسانية بمختلف العلوم والفنون والآداب وشؤون الثقافة وغيرها من الحقول المعرفية التي هي عنوان نهضة الشعوب. ولم يختلف زمن الأجداد بما تركوا من إرث حضاري ثم جاء دور الأبناء ليتواصل البناء ، تلك المسيرة التي لن تتوقف يوما عن الإبداع. في أطار هذه الرؤى والأفكار كان هذا اللقاء مع الأستاذ الدكتور رحمن غركان التدريسي في كلية التربية من جامعة القادسية وهو أسم عراقي ثقافي عرف في مجال الشعر والنقد الأدبي وقد ألف العديد من المؤلفات والدراسات التي تميزت بربط أصالة الماضي وعراقتها برؤية فنية معاصرة لتكون منها شرارة التميز في العطاء . وفي حوار معه بعد نيله جائزة الإبداع في النقد الأدبي في دورتها الأولى بحسب وزارة الثقافة العراقية لعام 2009 وذلك عن كتابه المعروف ( علم المعنى / الذات – التجربة – القراءة ) الصادر عن دار الرائي في دمشق . وقد صدر للدكتور غركان في حقل الشعر أربعة مجاميع شعرية هي : سوف بلا ربما / بغداد 1998 و سفر في مرايا القيد / بغداد 2001 و تجليات / بغداد 2001 ، و تصلي المآذن / دمشق 2010 . أما في حقل الدراسات الأدبية والنقدية فقد أصدر خمس عشرة دراسة هي : لغة الشعر الإسلامي / الفرزدق أنموذجا / بغداد 1996 ، و قصيدة الأداء الفني في الشعر العراقي المعاصر / بغداد ، 2002 . ومقومات عمود الشعر الأسلوبية بين النظرية والتطبيق / عن اتحاد الكتاب العرب / دمشق 2004 . والتنظير والإجراء / النجف الاشرف ، 2006 . و موجهات القراءة الإبداعية/ عن اتحاد الكتاب العرب ، دمشق 2007 . و أسلوبية البيان العربي / عن دار الرائي في دمشق ، 2008 . ونظرية البيان العربي / عن دار الرائي ، دمشق 2008 . و علم المعنى / عن دار الرائي ، دمشق 2008 . وقصيدة الشعر / عن دار الرائي ، دمشق 2010 . والقصيدة التفاعلية في الشعرية العربية / تنظير وإجراء / عن دار الينابيع ، دمشق 2010 . و المنهج التكويني من الرؤية إلى الإجراء / نحو منهج مقترح في استقبال النص واستشراف المعنى / عن دار الانتشار / بيروت ، 2010 … وغيرها من المؤلفات المنشورة أو التي تنتظر النشر . وكان لنا معه هذا اللقاء ، حول الشأن الثقافي العام ولاسيما في مدينة الديوانية حيث كان اللقاء ..
* في أي عام وأين ولد رحمن غركان ؟
* ولدت في 22/8/1970 في محافظة واسط بعد أن انتقلت عائلتي من الديوانية قبل خمس سنوات من ولادتي لأسباب اقتصادية لنعود مرة أخرى إلى ناحية آل بدير موطن عائلتنا الأول شرقي مدينة الديوانية بعد أن بلغت السابعة من العمر ولنفس الأسباب الاقتصادية وفي العام 1980 انتقلنا إلى الحي الجمهوري في مركز المدينة حيث نحن الآن نتحدث ، وانتمائي لهذه المدينة هو انتماء عراقي بمعنى إنك حين تسألني عن ولادتي أحب أن أجيب بأني من مواليد العراق في العام 1970 لأن الموصل والبصرة والديوانية وجميع المدن العراقية هي أرض الله العراقية ولا أشعر بالانتماء المناطقي المحدد وأحسب أن انتمائي لهذا المكان أعني العراق ينمي فيّ خصوصية الهوية الثقافية والحضارية ويجعل اتصالي بالماضي البعيد اتصال تكامل وتواصل واستشراف وهو ما انعكس على إصداراتي في الشعر أو النقد الأدبي أو الشأن الثقافي العام حتى الآن . وحين أجدني حريصا على تدوين تأريخ مكان الكتابة فلأنها قد حصلت في مكان وزمان معينين ، وحسب ما أعرف أن الولادة الحقيقية لأي إنسان هي الإنجاز وليس الزمن فالولادة فعل صالح للمحبة البشرية وبهذا يكون مكان ولادة الإنسان هو إنجازه الإنسانــي .
* متى بدأت في القراءة ؟
* كانت المرحلة المتوسطة بداية الحب للقراءة وأظنها اقترنت بالمصنفات الدينية وكان أول القراءات هو ديوان شعري تنسب أشعاره للإمام علي (عليه السلام) حفظته لما فيه من مضامين أخلاقية تربوية تجاري رغباتي حينها التي هي جزء من الفطرة الإنسانية وتبين لي بعد أن صرت معنيا بالبحث إنه في معظمه ليس من شعر الإمام إنما هو منسوب إليه أو أن الإمام أستشهد به في مواقف معينة ، بعدها انتقلت إلى قراءة التفاسير المبسطة للقران الكريم والقراءات الموضوعية في نهج البلاغة ، بعدها انفتحت على الشعر العربي عامة و صرت أقرأ الشعر الجاهلي والإسلامي ليبقى عالقا في مخيلتي وليأخذ حيزا من اهتمامي فصارت القراءة تتصل أكثر بالرموز الشعرية في الشعرية العربية بدءاً من الأعشى الكبير والمثلث الأموي الشهير جرير والأخطل والفرزدق ثم بشار بن برد ومسلم بن الوليد وأبي نواس وأبو تمام ثم انتقل اهتمامي للشريف الرضي وابن الرومي بعدها انتقلت إلى العصور المتأخرة حيث كان اهتمامي بصفي الدين الحلي وحين صرنا إلى العصر الحديث بتقسيماته من عصر الإحياء حيث انصب الاهتمام بشوقي والبارودي والجواهري وحين صرنا إلى عصر النهضة الحديث توجه اهتمامي نحو إيليا أبو ماضي وعبد الله البردوني وفي عصر الحداثة اهتممت بمحمود درويش الذي أحسبه أبرز مدرسة في الشعرية العربية بعد المتنبي ، وخلال مراهقتي الثقافية كان اهتمامي بفن نزار قباني لا بعاطفته وهو مدرسة شعرية استثنائية .
* من الذي قرأته وتمثلته ثم صرت أنت النص الذي تريد في ضوء ذلك التأثير ؟
* أظن أني انتبهت إلى القصيدة الحديثة بعد أن قرأت لثلاثة شعراء قراءة معمقة هم المتنبي وعبد الله البردوني ومحمود درويش وأظنني انتبهت منهم لكتابة القصيدة العمودية الحديثة ، وفي كتابي الأخير (قصيدة الشعر من الأداء بالشكل إلى أشكال الأداء الفني) درست هذا الاتجاه بعناية أما الدراسات التي قرأتها في التراث والتي ترتكز على النص الصوفي النثري المكتنز بالشعرية فهي الذي نبهتني لقصيدة النثر وأنا لا أرى قصيدة النثر شعرا إنما هي جنس إبداعي استثنائي ينتمي لهذا العصر أسمه قصيدة النثر وكما قلت قراءتي في النص الصوفي والروافد التي أنتجته بعناية قد فصلتها بكتابي (النص في ضيافة الرؤيا / دراسة في قصيدة النثر العربية) . والمعني بالشأن الثقافي يكون عمره مرحلتان الأولى تتمثل بالقراءة والتأثر وحين يكتب لا يأتي بشيء جديد بل يكون مقلدا ، والمرحلة الثانية هي التي يجد فيها نفسه يكتب ما يمثله ويدل عليه من حيث الخصوصية والأسلوب والإنجاز .
* آخر مؤلفات الدكتور رحمن غركان حتى الآن ؟
* كتابي الأخير الذي حمل عنوان (المنهج التكويني من الرؤية إلى الإجراء نحو منهج مقترح في قراءة النص واستقبال المعنى) الصادر عن دار الانتشار في بيروت ، اقترحت فيه منهجا جديدا في قراءة النص الإبداعي وطبقت هذا المنهج على فنون الشعر والقصة والرواية والحكاية والمسرح . وآمل أن يجد فيه المتلقي ما ينفع الوعي ويمكث في المحبة …
* ما هو رأيك في المشهد الثقافي الديواني ؟
* المشهد الثقافي في الديوانية لا يكتسب خصوصيته الثقافية من بيئته كما أستطيع القول أن المشهد الثقافي في البصرة يكتسب الكثير من هويته من بيئته البصرية وكذا الحال مع النجف والموصل وبغداد وإقليم الشمال الكردستاني ، ولكن مع الديوانية يكتسب خصائصه من المشهد الثقافي العراقي الحديث والذي صار العالم فيه متقارب الملامح والخصائص والسبب في هذا يعود إلى أن البيئة الديوانية أعني : المكان والأفق الحضاريين لم يصلنا من أبنائها ثراء إبداعي صدر عن المكان وتمثله ولعل أقدم ما وصلنا منتسبا إلى المكان الديواني هو (المواقف والمخاطبات) لعبد الجبار النفري نسبة لمدينة نفر (شرقي الديوانية) أعني مجمل تراث النفري وبالديوانية حاجة إلى الاحتفاء به في ملتقى أو مهرجان خاص مع أن بعض مؤلفات النفري ظهرت في مصر بعد أن انتقل إليها إضافة إلى ما كتبه المستشرقون وحين صرنا إلى العصر الحديث ، فلا أستطيع أن أمسك بملامح إنجازات ثقافية تمثل الفنون الأدبية في هذه المدينة . ولكن النصف الثاني من القرن العشرين إلى اليوم وتحديدا في العقود الستة الأخيرة ظهرت أسماء لشعراء وقصاصين ونقاد ومؤرخين وأكاديميين قدموا جهودا استثنائية في هذا الاتجاه وأحسب أن ما ظهر من منجزات الأدباء والكتاب في الديوانية خلال العقود الخمسة الأخيرة خاصة يمثل جيل التأسيس في الأدب الذي صدر في مدينة الديوانية فنعيم شريف وكريم الخفاجي وناظم مزهر مثلوا الديوانية خير تمثيل في مجال القصة كما أظهرها في مجال الرواية آخرون كـ أحمد خلف وسلام إبراهيم .وفي الشعر أجد أسماء كثيرة منها (كزار حنتوش وعلي الشباني وعبد الرحيم صالح الرحيم ومحمد نعمة ومعن غالب سباح وغيرهم كثير وفي القصيدة العمودية ـ مهدي حارث وناهضة ستار وعبد الأمير اللبان ورحمن غركان وعباس أمير و دريد عبد الجليل و شكر لايم خلخال و علي البرهان وجبار الطائي وتوفيق الأوسي وحميد حبيب الفؤادي وغيرهم كثير أيضا . كما للنثر(قصيدة النثر) أسماء منها ( باسم المرعبي وسعد جاسم و سعد ناجي وماجد حاكم ومحمد الفرطوسي وعلي الطرفي وسلامة الصالحية وهدى الاسدية وقيصر الوائلي وعدنان الزيادي وفارس عدنان وحاكم الزيادي وخيري عباس وعبد الرضا جبارة وكاظم الجار الله وحسنين رياض ) وهناك العشرات من الأسماء التي تمكنت من تأسيس الهوية الحديثة لمدينة الديوانية من حيث الكم وهناك خصوصية في النوع وسوف أصدر قريبا كتابا يحمل عنوان (شعراء نيبور) يتناول بالدراسة و التحليل المشهد الشعري الديواني . ومجمل الانجازات الثقافية و الإبداعية لا تصدر عن تمثيل هوية الديوانية بقدر ما هي امتداد للمشهد الثقافي العراقي والعربي عموما إلا عند قلة من المبدعين مثل كزار حنتوش وعلى الشباني ومهدي حارث في الشعر وسلام إبراهيم في الرواية ونعيم شريف في القصة القصيرة .
* في كتابك ( النص في ضيافة الرؤيا / دراسة في قصيدة النثر العربية )
لم تذهب إلى عد قصيدة النثر تطويرا في فن الشعر ؟
* قصيدة النثر جنس إبداعي استثنائي من معطيات الثقافة المعولمة الراهنة ، و(قصيدة النثر) مصطلح صار متداولا مستقرا في الدلالة على هذا الجنس لاحتفاله بالرؤيا والرؤى الفنية وفائض المجاز وغير ذلك مما يتصل بجنس قصيدة النثر وهذا يعني أنها لون أبداعي في الأدب الحديث وليست لونا تطويريا في فن الشعر بمفهوم الشعر المتواضع عليه في شكلي : العمود التقليدي أو التفعيلة الحديثة .
* في كتابك ( القصيدة التفاعلية في الشعرية العربية / تنظير وانجاز ) لم تذهب إلى عد القصيدة التفاعلية أو الرقمية تجديدا في الأداء الشعري ؟
* القصيدة التفاعلية في الشعرية العربية المعاصرة كما عند مشتاق عباس معن جزء من الأداء الشعري الراهن الذي أفاد فيه شعراؤه من تقنيات علم الحاسوب وتقنياته الهائلة في توظيف :الصورة والصوت واللون و الروابط التشعبية ومكونات فضاء الشاشة في جهاز الحاسوب وسائر التقنيات الأخرى لكتابة القصيدة ومن ثمة لقراءتها عبر شاشة الحاسوب وليس ورقيا طبعا ولكن لما أمكن المتلقي من قراءة المتن الشعري الأصيل بمعزل عن تلك التقنيات فذلك يعني أن حداثة الحاسوب تم توظيفها لصالح الأداء الشعري كما تم توظيف الأشكال الهندسية في الشعر الهندسي أو المشجرات الشعرية في العصور الوسطى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق