تحسين الزرگاني
ما أقسى أن يكون الانسان تائها في وطنه، وما أبغض أن
تشعر بالغربة في بلدك، وما أتعس ان يهان المرء وكرامته على يد قومه وأخوته وابناء جلدته،
وما ألعن ان تنتهك حقوقه وتنهب خيراته وتسرق أمواله ويقطع لسانه ويزج في السجون
ويضرب او تركب له التهم جاهزة ان فتح فمه بكلمة اعتراض، وما أصعب ان تبحث لك عن
قوم غير قومك ووطن غير وطنك جراء فعلهم بك وسعيهم الى القضاء على أحلامك وخنقهم
الى الكلمات في صدرك.
تجربة قد يراها البعض مريرة لكني عشت خلالها أجمل
المعاني، وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى لكنها الاروع، تجربة كانت مقوماتها
ان تعرف من تحب وتتقرب اليه بكل ما تعنيه الكلمة في كل مفاهيمها، وتقرب لك البعيد،
لتتعرف على أي القلوب كانت لك وأيها عليك، فحين نكون بالقرب من الناس نفتقد الشعور
بكثير من الاشياء التي تتجلى غيمتها وتتضح معالمها ما أن نشعر بقرب فقدانها.
قالوا عن السفر وفوائده الكثير والكثير، لكني متأكد أن
من كتب وتكلم ووثق لم يعرف أهم الاشياء التي عرفتها في تجربتي الفريدة، التي
أبعدتني عن قومي وقربتني منهم بذات الوقت، ولدت لي أحبة لا بل ولدت لي الدنيا
بأسرها، ومنحتني الثقة والامل الجديد بالحياة والدنيا بعد أن يأست منها ومما فيها
بجميع الميادين والاصعدة، وعلى الرغم أن الكثير من المنغصات التي عجلت وأخرت في
ذات الوقت كثير من مخططاتي لكني ما زلت متمسك بنفحة الامل التي عشت لها ومن أجلها
لأكون ثانية بين الحياة التي اخترتها لأنهي بها ومعها أيام عمري.
وكثيرا ما أتساءل لو كان عمري الذي مضى من دونها لم
يحتسب، وياليت انني لم أعرف غيرها لتصبح لي وطنا وأرضا، هواء وسماء، أما وحبيبة، اختا
وابنةً، وزوجة وملاك، يحرسني من نفسي ويحميني من مكائد اوباش وطني وتجعلني مستقرا
في قلبها، لأنسى ذلك الوطن الذي يقتل أبنائه، ويكرم أعدائه، ويبعد أحبابه ويدني
قاتليه، آه منك وعليك واليك ايها الوطن.
أما آن لك أن تصحوا من الحلم!، لا ليس حلما بل كابوس
أسود، جثم على صدرك وخنق أبنائك بين أحضانك تعسا لمن فعل بك وبهم ما فعل، فما
كفاهم دمك نازفا وأبنائك من حولك قتلى وأطفالك مهجرة ونسائك سبايا الارهاب
والطائفية، متى تطّهر أرضك من براثمهم النتنة وأفكارهم المسمومة التي بها يضحكون
عليك أيها المسكين المجروح، كيف لك يا وطني أن تكون غريبا عند أهلك وتغربهم معك!،
الى متى تبقى ساكتا صامتا تنزف الما وحسرة وويلا؟، يا وطني، الذي ما أن غادرتك حتى
شعرت بآلامك وآلام قومي الساكتين على ظلم طغاتهم.
سأمسح بجراح قلبي وروحي من بعيد فوق أوصالك المقطعة
بسكاكين أبناء عاقوا في الدنيا وباعوك دون آخرة، وذبحوا بسيوفهم كل إيتامك أيها
الوطن الغريب من غير وطني، وسأبحث لك عن وطن كما وجدت لي وطنا احتضن قلبي ومسح
على رأسي كما تمسح رؤوس الايتام، وحين أجد واحدا لك سآخذك معي لتعيش في ذاتك ووطنك
وعند ذاك تجف الدموع وتندمل عندك الجراح ولن نكتفي فلا يزال ...للكلام بقية...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق