تحسين الزركاني
كم جميل أن نضرب في الامثال والحكم، عندما يكون الامل
حافزا لدى أحدنا ونقول (أن توقد شمعة في الظلام افضل من لعنه)، لنتفاءل ببصيص
النور وإن كان خافتا، ونصوره في أذهاننا كما لو أنه اشراقة لشمس الصباح، نوهم
أنفسنا لننسى الخوض في الالم واللهفة المزعومة بأن نشعر أن هناك نوراً، لكن المؤسف اننا
حين نردد هذه الحكمة ننسى أن الشمعة وبصيص نورها المحترق سينتهي ذات يوم، ولن يبقى
عند ذاك ما ينير طريق اخترنا السير فيه، على الرغم من معرفتنا أن الانوار فيه
خافتة ضائعة، وسط الحياة المظلمة التي نهرب منها احيانا كثيرة برغبة منا او دونها،
ونذهب إلى الاوهام تارة لنصورها أحلاما وردية مخملية ناعمة مفروشة بالورود
والازهار.
وتكمن المشكلة في صعوبة ان نعود انفسنا على فقدان الامل
ونتعلق به حتى وان تأكدنا انه وهما وليس حلما قد يتحقق ذات يوم، لنبحث عن شمعة
أخرى في صحراء شاسعة لا يمكن لنا أن نجد فيها دكانا أو محلا تباع فيه الشموع، لنفقد
عند ذاك الامل حقيقة، ونساور تلك الاوهام الى باطن عقولنا لنجعلها تتنافس بل
تتقاتل مع مشاعرنا وأحاسيسنا، كم مرة ومرة صورت لنفسي القوة والصلابة وعاندت
أهوائي لعقود وسنوات طويلة، دون أن أفكر ذات يوم بأن يكون لي حبيبة أعيش معها الحب
والغرام والهيام والعشق المجنون، الذي تفاخرت به أمام نفسي والناس أجمعين، حتى علم
من عرفني ولم يعرفني أن هناك حبا لاح في الافق، وملأ شعاعه أركان أشيائي ومسمياتي،
وصرت عند البعض عنواناً للحب المجنون، ورحت أبحث عن حبي وجنوني بين البلدان، لأعيش
معه تجربة لن يطويها في يوم النسيان، لأكون من بين الخلق أسعد إنسان، أغرم بحبيب
لم يعرف منه سوى حروف وجمل مكتوبة، وصوت وكلمات عبر الهاتف، كانت ترتعش مبعثرة
صادقة بالحب متلعثمة بما يحمله القلب النابض بذات الاحزان، والسائر في الصحراء بلا عنوان، بحثا عن سوق أو دكان، قد يجد عنده شمعة ينيرها في حلكة ظلام بليل لا قمر
فيه أو نجم، أماني كانت محملة بعبير صفاء معطرة الانفاس ناعمة الملمس حسنة في خدها
ولها في عينيها بريقان، لم أعرف ان أحدهما فرحا والآخر إلى الأحزان قد خطه رحمن
خالق وهبها الجمال وصورها بأحسن الصور.
جلست ذات يوم والخوف يملأ عينيها تسألني عن حبي وما
أوصلني اليها، سألتني وجوابي كان بين يديها لكنها تعمدت أن تسمع مني جواب، فقلت
أحبك فارتسمت بسمة على محياها، واحمرت وجنتيها، وتلعثمت وتبعثرت تلك الاوراق من بين بيديها،
حتى طرت فرحا، ولم أعلم من قبل اني كنت أسكن الأحلام أم تراها كانت أوهامي، لا
أعلم ماذا أو من وما سأصدق، أأسمع صوت قلبي؟، أم أشاهد أحاسيس ومشاعر بأوراق خريف
صفراء تترنح كمخمور مع اخف النسمات.
اليوم سمعت حكم القاضي على قلبي المسكين وجلادي هو ذاته
من وهب من قبل حياتي، من منح لي حياتي وجعلني أستشعر الدنيا بطعم آخر لم أعرفه في
الماضي، لم أسمع من قال لي لا تعشق حتى وان كان الحب عليك هو المكتوب، وستضيع منك
الهمسات ولن تجد لنفسك ذات يوم شمعة الاوهام، لتعرف حقيقة الحب والغرام ونارهما،
فهل سأحيى بسواها لا أعلم؟. لا بل أعلم لن أحيى وسأغادر دنيا أبعدتني عنها
وأبعدتها عني، فهمستها شمعتي ودنياي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق